أصل السلوك ودوره في بناء مجتمعات أكثر تسامحاً وسلاماً:
في عالم تسوده الحروب والأزمات قد يكون من الصعب الاعتقاد بأن الطيبة هي سمة أساسية للإنسان الذي يسعى دوماً للظفر بالحياة. وفي سياق الظروف الحالية التي يحياها العالم وما نتج عنها من تدمير وصراعات مستعرة، يتزايد الاهتمام بفهم السلوك الإنساني سعياً لمعرفة إن كان هذا السلوك يتشكل بفعل الظروف أم أن الطيبة هي قاعدة الشخص الذي ينبغي أن تقوم عليها المجتمعات.
يعتقد البعض أن الجنس البشري طائفة ولدت مسلمة بهذه الطيبة، وأن الظروف التي تواجهها هي من يجعلها تتحول نحو الشر أو تتمسك بالخير. ولكن البعض الآخر يرون بأن الإنسان بجيناته يميل إلى الداعية بغير قصد.
إذا ما هو أصل السلوك الإنساني وكيف يمكن لنا أن نستعيد الطيبة في نفوسنا ونبني مجتمعات تعيش على نهج الرحمة والتعايش؟
في هذا المقال سنقدم لكم أسبابًا ترجح صحة الاعتقاد بأن الطيبة هي من طبيعة الإنسان، وطرق تحسين شخصية الناس والمجتمعات من خلال تحفيز تبني سلوكيات أكثر إيجابية وتوجيه الطاقة نحو تحسين الآخرين والعالم من حولهم.
أولاً: نشير إلى عدة دراسات علمية قد أثبتت أن السلوك الإيجابي ملائم للإنسان منذ الولادة. فعمر الأطفال الذي يقل عن ثلاثة سنوات هم على استعداد لمساعدة الغير والعمل في فريق تعاوني بالمثل، يشعر الإنسان برضى داخلي عند مظاهرة مساعدة الغير دون توقعات قسرية أو مكاسب شخصية.
ثانياً: ينبغي النظر إلى تفاصيل تاريخ البشرية ومراحلها المختلفة. ففي الماضي، اعتمد الناس على التعاون من أجل بقائهم ونجاتهم في مواجهة التحديات البيئية أو الاجتماعية. حيث كان التقاسم والرعاية مهمة آنذاك للنجاح الجماعي.
ثالثًا: يؤكد علماء النفس بأن الطيبة والإحسان وراثي البعض. فمن الوارد أن يكون للوراثة تأثيراً رئيسياً على اختيار الإنسان لمساره في الحياة ورغبته في تحقيق المساواة تجاه الآخرين والإصلاح.
رابعاً: يلعب البيئة والتربية قدرا كبيراً في تكوين الشخصيات وتأسيس قيم الطيبة والإيجابية في نفوس الأفراد. فالتنشئة الاجتماعية والأسرية تؤثر على تكوين التوجهات والميول السلوكية للمرء في مراحل النمو المختلفة. وعليه فإن اهتمام الأسرة والمجتمع ببناء وتعزيز قيم التعاون والمساعدة والرحمة والعدل يمكن أن يعزز من ميل الأفراد نحو الطيبة والإيجابية.
خامساً: يبرز دور الأديان والعقائد في تنشئة الأفراد وتأسيس قيمهم الأخلاقية فتقدم العديد من الأديان تعاليم ترتكب على الطيبة والتعايش والتسامح والعدل، وهذه المفاهيم تصبح جزءاً لا يتجزأ من وجدان الإنسان عند تعلمه لها والعمل بها.
سادساً: تعتبر التجارب الشخصية والجماعية الملموسة عوامل أخرى تساعد على تعزيز الطيبة والإيجابية في نفوس البشر. فمواقف الشدة والمعاناة تجعلنا نشعر بمعاناة الغير وبالتالي تكون لدينا رغبة أكبر في مساعدة الآخرين وتقديم يد العون.
لذا يجب علينا كأفراد ومجتمعات أن نعمل جاهدين لتعزيز قيم الطيبة والتعاون والتفاهم المشترك بين جميع أطياف المجتمع. ونبدأ بتعزيز القيم الإيجابية في قلوب أطفالنا وتوجيههم نحو السعي الحثيث لتحقيق الخير لمن حولهم .
هناك طرق عدة يمكننا استخدامها في تحفيز سلوكيات إيجابية في النفوس:
1- تعزيز التربية الأخلاقية والاجتماعية للأطفال وتحفيزهم على مشاركة الآخرين والعمل كفريق متحاب وأخلاقي.
2- نشر ثقافة العطاء والتطوع والمساهمة في خدمة المجتمع من خلال المشاركة في المشاريع الخيرية والتعاونية.
3- دعم الجمعيات والمنظمات التي تعمل على بناء جسور التواصل والتفاهم بين الثقافات المختلفة والعمل على تعزيز قيم التعايش والتسامح.
4- غرس قيم الرحمة والعدل والإنصاف في المؤسسات التربوية والتعليمية وتحفيز المجتمع على الالتفاتة إلى مصالح الفئات المحتاجة والمهمشة.
5- إجراء حوارات جادة حول سبل تحقيق السلام والتعاون المستدام بين الدول والشعوب والتأكيد على أهمية التفاهم والتوافق بين جميع الأطراف.
في الختام، يجب أن نستنزف كافة إمكانيتنا المتاحة لنا لتشجيع القيم الإيجابية والطيبة في مجتمعاتنا . إذا كنا حقًا نؤمن بأن البشر طيبون بطبيعتهم، علينا أن نعمل بجدية لإحداث تغيير إيجابي في حياتنا وعالمنا المحيط والعمل على تعزيز هذه القيم بيننا.
نحن مسؤولون عن تعليم الأجيال القادمة أهمية الطيبة والرحمة وكيف يمكن أن تؤثر هذه القيم على العالم الذي نعيش فيه. كما أن العمل من أجل بناء عالم أكثر تسامحًا وسلامًا يتطلب تقبلنا واحترامنا لاختلاف الثقافات والتقاليد والعادات والتعاون مع بعضنا البعض للتغلب على التحديات المشتركة التي تواجه البشرية.
إن المشاركة المستدامة في تحفيز الطيبة والإيجابية من خلال العمل الجماعي والتطوع والمبادرات الإنسانية تساهم في خلق مجتمعات أكثر ازدهارا ونماء. في حين أن التحفيز المستدام للأطفال والشباب على تبني القيم الإيجابية يمكنه أن يضمن تنمية مستقبل مزهر لهم ولكل المناطق.
على السواء، يجب أن نعمل على تحسين النظرة السلبية التي قد تسود بعض المجتمعات بشأن العالم الذي نعيش فيه. فلا نستطيع تحقيق تغيير إيجابي إذا كنا دائمًا على قناعة بأن العالم لن يُصلح. علينا أن ننتج الإلهام من قصص النجاح الفردية والجماعية التي تبين كيف قدرت الطيبة بالتغلب على التحديات الصعبة وتأثيرها الإيجابي على حياة الأفراد والمجتمعات.