الصمت مرادي الوحيد!
لقد أدركت أن الصمت يوفر لي راحة لا يمكن أن أجدها في ضوضاء الحياة المعتادة. التي تعج فيها الشوارع بالأصوات المتنوعة والاحاديث اللامتناهية، التي تشتتني عن تركيزي ولا تساعدني على الاهتمام بأفكاري الشخصية وطموحاتي. هذه الرغبة الجديدة في الصمت ما أوصلني إليها هي مغامرات مشوقة استمرت على مدى عدة سنوات مثيرة لا تنسى.
في أحد الأيام،
كنت متسابقا في اجتماع مع مدراء شركتنا لمناقشة استراتيجيات المبيعات وخطط التوسع. كنت أشعر بصداع نصفي طفيف، نتيجة قلة النوم والتوتر. كان الاجتماع يمتد لساعات طويلة طافت فيها كلمات كثيرة ومستهلكة، وضجت فيها المعركة الشرسة عن الشركة والأرباح، لدرجة أنني كنت أشعر تماما، أن إنسانيتي تنساب تدريجيا من روحي.
في اليوم التالي،
كنت أجلس على مقاعد قاعة الترفيه الكبيرة استعدادًا لحضور المهرجان السنوي للموسيقى. بينما تهلل الجمهور في حماسة لا يمكن إيقافها، كانت الأصوات المتفجرة يصاحبها وميض أضواء وشرارات الألعاب النارية في السماء المظلمة. مرة أخرى، تساءلت عما إذا كان هذا هو مكاني بين هذا المجتمع الصاخب والقلق!؟.
وفي اليوم الثالث،
كنت أقف على سطح منزلي وأنظر إلى المدينة المدهشة المليئة بالأبراج والضوء. كان النهار يُرتَقب والمدينة تستيقظ عامرة بفائض الحيوية والنشاط. كنت أراقب حياة الناس دون أن أكون جزءًا منها. وحنونا قلبي إلى الصمت الذي كان هو مرادي الوحيد.
لم أجد وظيفة للصمت،
أكثر من ذلك عندما قررت البدء في رحلة اكتشاف جديدة غامضة للنفس والطبيعة، إذ قفزت من المدينة المثيرة إلى البرية الواسعة حيث أهمتني الحياة البسيطة للأراضي القاحلة وصدى الذاكرات المنسية. أحرزت هناك بعض من أروع التحف الروحانية والمعرفية التي أتوج بها رحلتي.
على امتداد أيام الرحلة،
فتحت قلبي وعقلي حتى يتسعان من عظمة وسحر تجارب الصمت. تأملت السماء السحيقة، حيث تأرجحت طافية على بحر سحاب لا متناهٍ، واستمعت إلى أغنيات الرياح العذبة التي ساوت لي كموسيقة الطبيعة الخالدة. اختفت أمام عيني بحيرات فضية متلألئة، وغرست قدماي سيقان غصني مراوح من الفجر الأبدي.
المستفاد،
وجدت في الصمت مبتغاي من الاستجمام الحقيقي لروحي المرهفة، فتمكنت من النمو والتطور داخل فقاعة هادئة مبنية على التأمل والعمق. استطعت رؤية صورة واضحة للحياة وأهدافها، وأجمعت الشجاعة الكامنة لتحقيق طموحاتي والتغلب على تحدياتي.
اليوم،
على مشارف عتبة حياة جديدة، أقدر قيمة الصمت واشكر المساحة لهذا الفضاء الكبير الذي ضاف زاداً لروحي في مسيرتي غير الطويلة، ومنحني طاقة راحة لا محدودة. يجعلني هذا الصمت العميق أتوارى خلف النجوم المتأرجحة و اتسلل خلسة في زمرة اليأس كي أفي من كوب الأمل والتفاؤل وأظل أكتشف نفسي وأقود حوارا ناجحا مع عالم إنسانيتي الواسع.
ختامًا،
عبر هذه التجربة الملهمة في هذه الرحلة إلى الأعماق البعيدة، يستمر صدى الصمت الذي كان هو مرادي الوحيد في عقلي وقلبي الى الأبد.