هل تتحقق أفكارنا:
عند الفجر في شهر رمضان، استيقظتُ قبل الفجر، وإذ بالقرية التي أزورها تحتضن جمال طبيعتها الخضراء ويمتزج صوت الأذان الهادئ مع أصوات الطيور مصطحبة بالنسمات الدافئة. تلك اللوحة المباركة كانت تفسح لي المجال للتأمل والتفكير بعمق حول ما يجول في ذهني. راودتني أفكار حول الحياة والوعي والبحث عن الذات، وتذكرت بعض أصدقائي وعائلتي الذين خاضوا تجارب مماثلة في تلك الفترة من حياتهم.
بدأت السيارات تتوالى على الطرقات المتجهة إلى أماكن العمل. كل هذا أعاد لي قوة الاشتياق إلى الإنسانية والگوار والطمأنينة الأكيدة. وبينما كانت أفكاري متشابكة في تلك المرحلة، سمعت على مقربة جداً مني صوت أطفال أقراني يحمل قلوبهم طهراً لم يتأثر بروتين الحياة الممل، الذي يعاني منه غالبية الكبار، هنا شعرت بالحنين إلى أيام الطفولة التي كانت تلون حياتي بالسعادة والكسوف. في أول أيام المدرسة، كنا جميعا نتشارك الحلم نفسه والرغبة في التفوق الدراسي وتحقيق الإبداع التي قد أنتجها الأعداد الكبيرة من المبدعين العظماء من مشاهير في السعودية.
و كان حلمنا يجوب أرجاء الدنيا ولا يضيق بنا الأفق، فقد كنا نعقد الهمة لإنجاز أكبر لنثبت للمجتمع من حولنا بأننا قادرون وأن الحياة تحتاج لكل التفاؤل والصدق الذي يملأ قلوبنا. وبعد سنوات، وجدتني أبحث عن الهدف الذي يجول في ذهني، مفعما بالتفاؤل الذي لا ينقطع والذي يشع ضوءاً متوهجاً يقودني على طريق النجاح التي أسعى لها بتصميم ثابت وإرادة صلبة. ولأني أدرك بأنني لا أستطيع الإحاطة بكل ما يجول في ذهني ولا يمكنني ترتيبها ضمن مقال قصير يلمّ بهذا الغفير من الأفكار والأحلام، أحاول في كل مقال أكتبه أن أطرح المزيد من التفاصيل وأوشك على هذا المسير كي أعطي كل الأضافر في قطر الدائرة حول هذا الموضوع.
تعجبت كثيراً مما كنت أفعله بكتاباتي سابقاً، فكثير منها لم يكن يعكس ما يجول في بالي بصورة واضحة، وكان دائما ما يفتقد إلى اللمسات الإنسانية التي تُعانق القلوب وترسم الابتسامة على الوجوه. وكان أهم ما يجوب حولي، المسيرة السعيدة من الخير والامل التى يعانق فيها مجموعة من البشر التي تعيش على وجه من دوام ألزمن في ظلمات خاشعة، فنكتشف إمكاناتنا الكاملة وإلى صنع شيء يجعلنا نشعر بالفخر والسعادة.
في النهاية:
يظل جمال الطبيعة وغنيمة الإنسان الظاهر والباطن، أحاول أن أُبلِغ أفكاري وكل ما يجول وما يجوب بين السّماء والأرض أن يأخذنا إلى هذا المكان الجميل. عادت بي الذاكرة لتلك الأيام، وبيّنت لي أن ما يجول في ذهني ليس مجرد أفكار فلسفية معقدة بل هو جزء لا يتجزأ من الذات وبمثابة جليد هائل يعكس سنوات البحث والعطاء. وبين الثنايا التي ضاهتني وجدت الحقيقة التي ينشدها كل قلب طيب بأن المصير يكتبه القلم الذي يجب أن نحمله بإيمان بأننا لن نحقق ما يجول في أذهاننا إلا إذا قطعنا مسافة طويلة رغم العثرات والأحزان، فالنجاح ليس مجرد هدية يضعها الزمن على حجر الزاوية بل هو حصيلة جهود وطنية تحمل روعة التفاؤل وامكانات بشرية.